فصل: الخبر عن هدية السلطان إلى ملك مالي من السودان المجاورين للمغرب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن هدية السلطان إلى ملك مالي من السودان المجاورين للمغرب:

كان للسلطان آبي الحسن مذهب في الفخر يتطاول به إلى مناغات الملوك الأعاظم واقتفاء سننهم في مهاداة الأقتال والأمصار وإيفاد الرسل على ملوك النواحي القاصية والتخوم البعيدة وكان ملك مالي أعظم ملوك السودان لعهده مجاورا لملكه بالمغرب على مائة مرحلة في القفر من ثغور ممالكه القبلية ولما غلب بني عبد الواد على تلمسان وابتزهم ملكهم واستولى على ممالك المغرب الأوسط وتحدث الناس بشأن أبي تاشفين وحصاره ومقتله وما كان للسلطان في ذلك من سورة التغلب وآية العز وإهانة العدو وشاعت أخبار ذلك في الآفاق وسما سلطان مالي منسا موسى المتقدم ذكره في أخبارهم إلى مخاطبته فأوقد عليه فرانقين من أهل مملكته مع ترجمان من الملثمين المجاورين لممالكهم من صنهاجة فوفدوا على السلطان في التهنئة بالغلب والظفر بالعدو فأكرم وفادتهم وأحسن مثواهم ومنقلبهم ونزع إلى طريقته في الفخر فأتحف طرفا من متاع المغرب وماعونه من ذخيرة داره وأسناها وعين رجالا من أهل دولته كان فيهم كاتب الديوان أبو طالب بن محمد بن أبي مدين ومولاه عنبر الخصي وأوفدهم بها على ملك مالي منسا سليمان بن منسا موسى لمهلك أبيه قبل مرجع وفده وأوعز إلى أعراب الفلاة من المعقل بالسير معهم ذاهبين وجاءين فشمر لذلك على بن غانم أمير أولاد جار الله من المعقل وصحبهم في طريقهم امتثالا لأمر السلطان وتوغل ذلك الركاب في القفر إلى بلد مالي بعد الجهد وطول المشقة فأحسن مبرتهم وأعظم موصلهم وأكرم وفادتهم ومنقلبهم وعادوا إلى مرسلهم في وفد من كبار مالي يعظمون سلطانه ويوجبون حقه ويؤدون طاعته من خضوع مرسلهم وقيامه بحق السلطان واعتماله في مرضاته ما استوصاهم به فأدوا رسالتهم وبلغ السلطان أربا من اعتزازه على الملوك وخضوعهم لسلطانه وقضاء حق الشكر لله في صنعه.

.الخبر عن اصهار السلطان إلى صاحب تونس:

لما هلكت ابنة السلطان أبي يحيى بطريف فيمن هلك من حظايا السلطان أبي الحسن بفساطيطه بقي في نفسه منها شيء حنينا إلى ما شغفته به من خلالها وعزة سلطانها وقيامها على بيتها وظفرها في تصريفها والاستمتاع بأصول الترف ولذاذة العيش في عشيرتها فسما أمله إلى الاعتياض عنها ببعض أخواتها وأوفد في خطبتها وليه عريف بن يحيى أمير زغبة وكاتب الجباية والعساكر بدولته أبا الفضل ابن عبد الله بن أبي مدين وفقيه الفتوى بمجلسه أبا عبد الله محمد بن سليمان السطي ومولاه عنبر الخصي فوفدوا يوم مثنى من سنة ست وأربعين وسبعمائة وأنزلوا منزل البر واستبلغ في تكريمهم ودس الحاجب أبو عبد الله بن تافراكين إلى سلطانه غرض وفادتهم فأبى من ذلك صونا لحرمه عن جولة الأقطار وتحكم الرجال واستعظاما لمثل هذا العرس ولم يزل حاجبه ابن تافراكين يخفض عليه الشأن وبعظم عليه حق السلطان أبي الحسن في رد خطبته مع الأذمة السابقة بينهما من الصهر والمخالصة إلى أن أجاب وأسعف وجعل ذلك الله فانعقد الصهر بينهما وأخذ الحاجب في شوار العروس وتأنق فيه واحتفل واستكثر وطال ثواء الرسل إلى أن استكمل وارتحلوا من تونس لربيع من سنة تسع وأربعين وسبعمائة وأوعز مولانا السلطان أبو يحيى إلى ابنه الفضل صاحب بونة وشقيق هذا العروس أن يزفها على السلطان أبي الحسن قياما بحقه وبعث من بابه مشيخة من الموحدين مقدمهم عبد الواحد بن محمد بن أكمازير صحبوا ركابها إليه ووفدوا جميعا على السلطان واتصل الخبر أثناء طريقهم بمهلك مولانا السلطان أبي يحيى عفا الله عنه فعزاهم السلطان أبو الحسن عنه عندما وصلوا إليه واستبلغ في تكريمهم وأجمل موعد أخيها الفضل بسلطانه ومظاهرته على تراث أبيه فأطمأنت به الدار إلى أن سار في جملة السلطان وتحت ألويته إلى إفريقية كما نذكر إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن حركة السلطان إلى إفريقية واستيلائه عليها:

كان السلطان أبو الحسن قد امتدت عينه إلى ملك إفريقية لولا مكان السلطان أبي يحيى من ولايته وصهره وأقام يتحين لها الأوقات ولما بعث الله في الصهر وأشيع بتلمسان أن الموحدين ردوا خطبته نهض من المنصورة بتلمسان وأغذ السير إلى فاس ففتح ديوان العطاء وأزاح علل العسكر وعقد على المغرب الأقصى لحافده منصور ابن الأمير أبي مالك وفوض إلى الحسن بن سليمان بن يرزبكن في أحكام الشرطة وعقد له على الضاحية وارتحل إلى تلمسان مضمرا الحركة إلى أفريقية حتى إذا جاء الخبر اليقين بالإسعاف إلى والزفاف إلى سكن عزمه وهدأ طائره فلما هلك السلطان أبو يحيى في رجب من سنة سبع وأربعين وسبعمائة وكان من قيام ابنه عمر بالأمر ونزوع الحاجب أبي محمد بن تافراكين في رمضان منها ما ذكرنا تحركت عزائم السلطان لذلك ورغبه ابن تافراكين في ملك الموحدبن فرغب وجاء على أثره الخبر بما كان من قتل عمر لأخيه أحمد ولي العهد وكان يستظهر على عهده بكتاب أبيه وما أودعه السلطان بحاشبيته من الوفاق على ذلك بخطه واقتضاه منه حاجبه أبو القاسم بن عتو في سفارته إليه فامتعض السلطان لما أضاع عمر من عهد أبيه وهدر من دم أخيه وارتكب مذاهب العقوق فيهم وخرق السياج الذي فرضه بخطه عليهم فأجمع الحركة إلى أفريقية ولحق به خالد بن حمزة بن عمر نازعا إليه ومستغذا مسيره ففتح ديوان العطاء ونادى في الناس بالمسير إلى أفريقية وأزاح عللهم وكان صاحب بجاية المولى أبو عبد الله حافد مولانا الأمير أبي يحيى وفد على السلطان أبي الحسن إثر مهلك جده بقرب المآب بسفارة أبيه إليه وبطلب الإقرار على عمله فلما استيأس منه واستيقن حركته بنفسه إلى إفريقية طلب الرجوع إلى مكانه فأسعف وفصل إلى بجاية.
ولما قضى السلطان منسك الأضحى من سنة تسع وأربعين وسبعمائة عقد لابنه الأمير أبي عنان على المغرب الأوسط وعهد إليه بالنظر في أموره كافة وجعل إليه جبايته وارتحل يريد إفريقية وسار في جملته هو وخالد بن حمزة أمير البدو ولما احتل بوهران ووافاه هنالك وفد قسطيلة وبلاد الجريد يقدمهم أحمد بن مكي أمير حربه ورديف أخيه عبد الملك في إمارته ويحيى بن محمد بن يملول أمير توزر سقط إليها بعد خروج الأمير أبي عمر العباس ولي العهد عنها ومهلكه بتونس وأحمد بن عامر بن العابد رئيس نفطة رجعا إليهما كذلك بعد مهلك ولي العهد فلقيه هؤلاء الرؤساء بوهران في ملأ من وجوه بلادهم فآتوه بيعتهم وقضوا حق طاعته وتثاقل محمد بن ثابت أمير طرابلس عن اللحاق به فبعث بيعته معهم فأكرم وفدهم وعقد لهم على أمصارهم وصرفهم إلى أعمالهم وتمسك بأحمد بن مكي لصحابة ركابه وفي جملته وأغذ السير ولما احتل ببني حسن من أعمال بجاية وافاه بها منصور بن فضل بن مزني أمير بسكرة وبلاد الزاب في وفد من أهل وطنه ويعقوب بن علي بن أحمد سيد الزواودة وأمير البدو بضاحية بجاية وقسنطينة فتلقاهم بالمبرة والاحتفاء وألزمهم ساقته وسرح بين يديه قائده حمو بن يحيى العسكري من صنائع أبيه فلما عسكر بساحة بجاية أبو عبد الله وأبى عليه أهل البلد رهبة من السلطان ورغبة فيه وانفضوا من حوله ولحقت مشيختهم من القضاة وأهل الفتيا والشورى بمجلس السلطان وسابقهم إليه حاجبه فارح مولى ابن سيد الناس فأدى طاعته ورجعه إليه للخروج للقاء ركابه وارتحل حتى إذا أطلت راياته على البلد بادر المولى أبو عبد الله ولقيه بساحة البلد واعتذر من تخلفه فتقبل عذره وأحله من البر والتكرمة محل الولد العزيز وأقطعه عمل كومية من نواحي هنين وأسنى جرايته بتلمسان وأصحبه إلى ابنه أبي عنان صاحب المغرب الأوسط واستوصاه به ودخل بجاية فرفع عنهم الظلامات وحط عنهم الربع من المغارم ونظر في أحوال ثغورها فثقفها وسد فروجها وعقد عليها لمحمد بن النوار من طبقة الوزراء والمرشحين لها وأنزل معه حامية من بني مرين وكاتب الخراج ببابه بركات بن حسون بن البواق وارتحل مغذا لسيره حتى احتل بقسطينة وتلقاه أميرها أبو زيد حافد مولانا السلطان أبي يحيى وأخواه أبو العباس أحمد وأبو يحيى زكريا وسائر إخوتهم فأتوه ببيعتهم ونزلوا له عن عملهم وأدالهم السلطان منه بندرومة من عمل تلمسان عقد للمولى أبي زيد على إمارتها وجعل له إسوة إخوته في أقطاع جبايتها ودخل البلد وعقد عليها لمحمد بن العباس وأنزل معه العباس بن عمر في قومه من بني عسكر وأمضى أقطاعات الزواودة ووافاه هنالك عمر بن حمزة سيد الكعوب لعهده وأمير البدو مستحثا لركابه وأخبره برحيل السلطان عمر ابن مولانا السلطان أبي يحيى من تونس فيمن اجتمع إليه من أولاد مهلهل أقتالهم من الكعوب موجها إلى ناحية قابس وأشار على السلطان بتسريح العساكر لاعتراضه قبل أن يخلص إلى طرابلس فسرح معه حمو بن يحيى العسكري قائده في عسكر من بني مرين والجند وارتحلوا في اتباع السلطان أبي حفص وتلوم السلطان أبو الحسن بقسنطينة واعترض عساكره بسطح الجعاب منها وصرف بوسف بن مزني إلى عمله بالزاب بعد أن خلع عليه وحمله.
ثم عقد للمولى الفضل ابن مولانا السلطان أبي يحيى على مكان عمله ببونة وملأ حقائبه جائزة وخلعا نفيسة وسرحه ثم ارتحل على أثرهم وأوعز حمو بن يحيى مع الناجعة من أولاد أبي الليل ولحقوا بالأمير أبي فمن بمباركة من ناحية قابس فأوقعوا به وتردى عن فرسه في حومة القتال هو ومولاه ظافر السنان القائم بدولته من المعلوجي فتقبض عليهما وسيقا إلى أبي حمو فاعتقلهما إلى الليل ثم ذبحهما وأنفذ برؤسهما إلى السلطان ولحق الفل بقابس فتقبض عبد الملك بن مكي على أبي القاسم بن عتو صاحب الأمير أبي حفص وشيخ الموحدين وعلى صخر بن موسى شيخ بنى سكين من سدويكش فيمن تقبض عليه من ذلك الفل وأشخصهم مقرنين في الأصفاد إلى السلطان وسرح السلطان عساكره إلى تونس وعقد عليهم ليحيى بن سليمان صهره من بني عسكر على إبنته وأنفذ معه أحمد بن مكي فاحتلوا بتونس واستولوا عليها وانطلق ابن مكي إلى مكان عمله من هنالك لما عقد له السلطان عليه وسرحه الله بعد أن خلع عليه وكل حاشيته وحملهم ونزل السلطان بناحية باجة فوافاه هنالك البريد برأس الأمير أبي حفص وعظم الفتح.
ثم ارتحل إلى تونس واحتل بها يوم الأربعاء الثامن لجمادى الآخرة من سنة ثمان وتلقاه وفد تونس وملؤها من شيوخ الشورى وأرباب الفتيا فآتوا طاعتهم وانقلبوا مسرورين بملكتهم ثم عبى يوم السبت إلى دخولها مواكبه وصف جنوده سماطين من معسكره بسيجوم إلى باب البلد يناهز ثلاثة أميال أو أربعة وركب بنو مرين إلى مراكزهم في جموعهم وتحت راياتهم وركب السلطان من فسطاطه وراكبه من على يمينه وليه عريف بن يحيى أمير زغبة ويليه أبو محمد عبد الله بن تافراكين ومن على يساره الأمير أبو عبد الله محمد أخو مولانا السلطان أبي يحيى ويليه الأمير أبو عبد الله ابن أخيه خالد كانا معتقلين بقسنطينة مع ولدهما منذ خروج أخيه الأمير أبي فارس فأطلقهم السلطان أبو الحسن وصحبوه إلى تونس فكانوا طرازا في ذلك الموكب فيمن لا يحصى من أعياص بني مرين وكبرائهم وهدرت طبوله وخفقت راياته وكانت يومئذ مائة وجاء والمواكب تجتمع عليه صفا صفا إلى أن وصل إلى البلد وقد ماجت الأرض بالجيوش وكان يوما لما ير مثله فيما عقلناه ودخل السلطان إلى القصر وخلع على أبي محمد بن تافراكين كسوته وقرب الله فرسه بسرجه ولجامه وطعم الناس بين يديه وانتشروا ودخل السلطان مع أبي محمد بن تافراكين إلى حجر القصر ومساكن الخلفاء فطاف عليها ودخل منه إلى الرياض المتصلة به المدعوة برأس الطابية فطاف على بساتينه وجوائزه وأفضى منه إلى معسكره وأنزل يحيى ابن سليمان بقصبة تونس في عسكر لحمايتها ووصل إليه فل الأمير أبي حفص والأسرى بقابس مقرنين في أصفادهم فأودعهم السجن بعد أن قطع أبا القاسم بن عتو وصخر بن موسى من خلاف لفتيا الفقهاء بحرابتهم وارتحل من الغد إلى القيروان فجال في نواحيها ووقف على آثار الأولين ومصانع الأقدمين والطلول الماثلة لصنهاجة والعبيديين وزار أجداث العلماء والصالحين.
ثم سار إلى المهدية ووقف على ساحل البحر ونظر في عاقبة الذيز كانوا من قبل أشد قوة وآثارا في الأرض واعتبر بأحوالهم ومر في طريقه بقصر الأجم ورباط المنستير وانكفأ راجعا إلى تونس واحتل بها غر ة رمضان وأنزل المسالح على ثغور إفريقية وأقطع بني مرين البلاد والضواحي وأمضى أقطاعات الموحدين للعرب واستعمل على الجهات وسكن القصر وقد عظم الفتح وعظمت في الاستيلاء على الممالك والدول المنة واتصلت ممالكه ما بين مسراته والسوس الأقصى من هذه العدوة وإلى رندة من عدوة الأندلس والملك لله يؤتيه من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ودفع إليه بتونس يهنؤنه بالفتح وكان سابقهم في تلك النوبة أبو القاسم الرحوي من ناشئة أهل الأدب فرفع الله قوله:
أجابك شرق إذ دعوت ومغرب ** فمكة هشت للقاء ويثرب

وناداك مصر والعراق وشامه ** بدارا فصدع الدين عندك يشعب

وحيتك أو كادت تحيى منابر ** عليها دعاة الحق باسمك تخطب

فسارع منا كل دان وشاسع ** إلى طاعة من طاعة الله تحسب

وتاقت لك الأرواح حبا ورغبة ** وأنت على الآمال تنأى وتقرب

ففي البلد ة البيضاء ومعشر ** وأنت بأفق الناصرية ترقب

ووافتك من ذات النخيل وفودها ** فلقاهم أهل لديك ومرحب

ولم تتلكأ عن إباء بجاية ** ولكن تراض الصعب حينا وتركب

تابت فلما أن أطلت عساكر ** ترى الشهب منها تستباح وتنهب

تبادر منهم مذعن ومسلم ** وأذعن منهم شاغب ومؤلب

وما تونس إلا بمصر مروع ** وفي حرم أمست لديك تسرب

وما أهلها إلا بغاث لصائد ** وبالعز منها استنصروا وتعقبوا

وقد كنت قبل اليوم كهف زعيمهم ** فها أنت كهف للجميع ومهرب

فكل يرى أن الزمان أداله ** بكم فأجاب العيش والعيش مخصب

وكذلك إبن طائع وان اعتلت ** به السن أحوالا وأنت له أب

وما ذاك إلا أن عدلك ينتمي ** إلى الخلفاء الراشدين وبنسب

تساميت في ملك ونسك بحظة ** حذياك محراب لديها ومركب

إذا لذ لأملاك خمر مدامة ** فلذلك القرآن يتلى ويكتب

وإن أد من القوم الصبوح فإنما ** على ركعات بالضحى أنت تدأب

وإن حمدوا الشرب الغبوق ** فإنما شرابك بالإمساء ذكر مرتب

وإن خشنت أخلاقهم وتحجبوا ** فما أنت فظ بل ولا متحجب

لقد كرمت منك السجايا فأصبحت ** إذا ما أمر الدهر تحلو وتعذب

كما شيدت بيتا في ذؤابة معشر ** يزيدهم قحطان فخرا ويعرب

هم التاركو قلب القساور خضعا ** وعن شأوهم كفت عبيد وأغلب

هم الناس والأملاك تحت جوارهم ** هم العظم الأرض العظيمة مغرب

هم المالكو الملك العظيم فبيتهم ** على كاهل السبع الشداد مطنب

لقد أصبحت بغداد تحسد بأسهم ** وحلة ودت أن تكون مناسب

تجلت ببيت المجد منهم كواكب ** لقد حل منها شارق ومغرب

فالله منهم ثلة بغريبة ** يروم بناها الأعجمي فيعرب

لقد قام عيد الحق للحق طالبا ** فما فاته منه الذي قام يطلب

وأعقب يعقوبا يؤم سبيله ** فلم يخطه وهو السبيل المنجب

وخلف عمانا فلله صارم ** به بان للإسلام شرع ومذهب

فكم في سبيل الله شن إغارة ** لما شاد أهل الكفر أمست تخرب

ولما أراد الله إتمام منة ** تقلدها منا مطيع ومذنب

أتى بك للدين الحنيفي آية ** تعرى بها عن لامع الحق غيهب

فجئت بما يرضى به الله سالكا ** سبيلا إلى رضوانه بك يذهب

وقمت بأمر الله حق قيامه ** يناضل عنه منك نضل مدرب

وأصبح أهل الله أهلا وشيعة ** لكم ولهم منكم مكان ومنصب

وحل بأهل الفتك ما حل عزمهم ** وقام لديهم واعظ مترقب

وجاهدت في الرحمن حق جهاده ** فراهب أهل الكفر بأسك يرهب

وأنقذت من أيدي الإغارة أمة ** وأولى جهاد كان بل هو أوجب

فأصبحت الدنيا عروسا يزفها ** لأمرك من جاري المقادير مغرب

فلا مصر إلا قد تمناك أهله ** ولا أرض إلا باذ كارك تخصب

وما الأرض إلا منزل أنت ربه ** وما حلها إلا الودود المرجب

تملكت شطر الأرض كسبا وشطرها ** وراثا فطاب الكل إرثا ومكسب

بجيش على الألواح والماء يمتطي ** وجيش على الضمر السوابق يركب

وجيش من الإحسان والعدل والتقى ** وذلك لعمر الله أغلى وأغلب

فلا مركب إلا يزين راكبا ** ولا راكب إلا به ازدان مركب

ولا رمح إلا وهو أهيف خاطر ** ولا سيف إلا وهو أبيض فأضب

فكم كاتب خطيه ودواته ** ولم يقر خطا يغتدى وهو يكتب

يمر على الأبطال وهو كأنه ** هزبر وأبطال الفوارس ربرب

وكم كاتب لا ينكر الطعن رمحه ** خبير بأيام الأعاريب معرب

له من عجيب السحر بالقول أضرب ** وفي هامة القوم المضارب مضرب

فها هو في الأقوال واش محبر ** وها هو في الأمثال ثاو مجرب

ومن ساحب بردا من العلم والتقى ** عليه ذيول الداودية تسحب

له صبغة في العلم جاءت بأصبغ ** وشهبان فهم لم يشمهن أشهب

فيا عسكرا قد ضم أعلام عالم ** به طاب في الدنيا لنا متقلب

هم الفئة العلياء والمعشر الذي ** إذا حل شعبا فهو للحق مشعب

لك الفضل في الدنيا على كل قاطن ** ومرتحل أنى يجيء ويذهب

ويا مالكا عدلا رضى متورعا ** مناقبه العلياء تتلى وتكتب

شرعت من الإحسان فينا شريعة ** تساوى بهاناء ومن يتقرب

وأسميت أهل النسك إذ كنت منهم ** فمنك أخو التقوى قريب مقرب

وأعليت قدر العلم إذ كنت عالما ** فقيها وفي طلابه لك مأرب

فمدحك محتوم على كل قائل ** ومن ذا الذي يحصي الرمال ويحسب

فلله كم تعطي وتمطي وتجتبي ** فللبحر من كفيك قد صح منسب

فلا برحت كفاك في الأرض مزنة ** يطيب بها للخلق مرعى ومشرب

ولا زلت في علياء مجدك راقيا ** وشانئك المدحوض ينكى وينكب

توافى على أقصى أمانيك آمنا ** فلا بر يستعصى ولا يتعصب